مقالات

القرار الأوّلي لمحكمة العدل الدولية بشأن غزة في ميزان الصراع

أن يجلس الكيان الصهيوني في مقعد المتهم بارتكاب إبادة جماعية هو تحولٌ جديدٌ ونوعي، نعم، لكن قرار المحكمة ذاته يقدم غطاءً لاستمرار الحملة الصهيونية الدموية في غزة ما دامت تتقيد باستهداف المقاومين وتخفف من استهداف المدنيين.

كان من المفهوم تماماً أن ينفعل البعض تحمساً لرفع جنوب أفريقيا قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية تتهمه فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة، وخصوصاً إزاء خلفية التواطؤ والتخاذل الرسميين، عربياً وإسلامياً، ما عدا محور المقاومة طبعاً. وكان أهم ما في رفع الدعوى، ثم قبول المحكمة النظر فيها من حيث المبدأ، أمرين:

أ – دعوة جنوب أفريقيا المحكمة إلى استصدار قرار فوري يلزم الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار. ولو نجحت جنوب أفريقيا في دفع المحكمة إلى تبني قرار كهذا، فإنه كان سيصب في جهود وقف العدوان على غزة، وهذا مهم سياسياً في اللحظة الراهنة. ولم ينجح ذلك طبعاً.

ب – وضع الكيان الصهيوني موضع المتهم بممارسة الإبادة الجماعية، بعد أن احتكرت الحركة الصهيونية العالمية، منذ الحرب العالمية الثانية، مقعد “المظلومية” الأول عالمياً بزعمها أن أساطير “المحرقة” تمثل ذروة سنام الإبادات الجماعية التي لا يضارعها شيء من قبلُ ومن بعدُ، وهذا مهم إعلامياً وأيديولوجياً.

ربما يستغرق البت في قائمة اتهامات جنوب أفريقيا للكيان الصهيوني بممارسة الإبادة الجماعية أعواماً، مع العلم بأن عتبة قبول النظر في الدعوى قانونياً أدنى بكثير من عتبة إثبات الإبادة الجماعية في محكمة عن سابق إصرار وترصد، أي أنه صعبٌ جداً، بحسب خبراء القانون الدولي.

كما أن القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية صدر في 26/1/2024 من دون مطالبة الكيان الصهيوني بوقف عدوانه، ليكتفي فقط بمطالبته بـ”اتخاذ كل الإجراءات التي تقع ضمن سلطته” لمنع ارتكاب أعمال إبادة جماعية، وللتأكد من أن جيشه لا يمارسها، ولمنع ومعاقبة التحريض على ارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة، ولتمكين تزويد الغزيين بالخدمات الأساسية الضرورية الماسة والمساعدة الإنسانية.

أستند هنا، في تتمة السطور أدناه، إلى النسخة الإنكليزية عن قرار محكمة العدل الدولية، كما ورد في موقعها في الإنترنت، أي النسخة التي تُعَدّ المرجع الأساس قانونياً، بحسب آخر فقرة في نص القرار.

من المهم التنبه أيضاً لتأكيد المحكمة ضرورة الإفراج عمن سمّتهم “الرهائن” الذين “اختُطفوا خلال الهجوم على “إسرائيل”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذين تحتجزهم حماس والمجموعات المسلحة الأخرى في غزة منذ ذلك الوقت، وتدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم”.

جاء ذلك المطلب في الفقرة الـ85، مباشرة فوق الفقرة الـ86، والتي تطالب فيها المحكمةُ “إسرائيلَ” بالتأكد من عدم ارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة. ولعل ترتيب المطالب هكذا لا يأتي صدفةً، إلا إذا افترضنا “حسن النية” في السياسة الدولية طبعاً.

كذلك تؤكد الفقرة الـ84، قبل هذه وتلك، أن قرار المحكمة لا يمثل حكماً مسبقاً في القضية موضع البحث، أي تهم ممارسة الكيان الصهيوني الإبادةَ الجماعيةَ، و”يترك، من دون تأثير، حق حكومتي جمهورية جنوب أفريقيا و”دولة إسرائيل” في تقديم الحجج فيما يتعلق بتلك الأسئلة”.

وجهة نظر قانونية في القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية
يؤكد هذه النقطة البرفسور وليم بليك – وايت، أستاذ القانون في جامعة بنسلفانيا الأميركية، ورئيس معهد الشؤون الدولية فيها، وهو خبير في القانون الجنائي الدولي والقانون الاستثماري الدولي، ويحمل الجنسيتين الأميركية والهولندية، وسبق أن عمل عامين في فريق التخطيط التابع لوزارة الخارجية الأميركية بين عامي 2009 و2011، أي تحت قيادة هيلاري كلينتون. كما أنه اتُّهم عام 2023 بنسج علاقة بمجموعة مرتبطة بالكرملين ورئيس أوكرانيا قبل الانقلاب، فيكتور يانكوفيتش.

المهم، يقول البرفسور بليك – وايت، في مقابلة نُشرت في 8/2/2024، في موقع معهد الشؤون الخارجية في جامعة بنسلفانيا الذي يديره، واسمه Perry World House، إن محكمة العدل الدولية “التزمت مقاربة حذرة للغاية في هذه القضية، وحرصت على عدم الإشارة إلى أن إسرائيل ترتكب إبادةً جماعية”، مضيفاً أن قرار المحكمة “لن يكون له سوى القليل من التأثير في الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس، كما أن المحكمة لم تدعُ، على وجه الخصوص، إلى وقف إطلاق نار”.

يوضح البرفسور بليك – وايت، في هذا السياق، أن “المسائل الوحيدة التي تتمتع محكمة العدل الدولية بالولاية عليها هي تلك المتعلقة بارتكاب الإبادة الجماعية. إن مشروعية الحرب ذاتها ليست أمام المحكمة، والطريقة الوحيدة التي كان يمكن للمحكمة أن تطالب بها بوقف إطلاق النار هي إذا كانت الإبادة الجماعية نتيجة محتّمة ولا يمكن تجنبها للحرب.

وبينما وجدت المحكمة أن من المعقول التصور أن تصرفات إسرائيل ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، لم يكن هناك دليل على أن الحرب ذاتها تسبب إبادة جماعية، وبالتالي، أن توجد حاجة إلى وقف إطلاق نار لمنعها”.

يختتم البرفسور بليك – وايت بأن ما تفعله مطالبة المحكمة للكيان الصهيوني بعدم ارتكاب إبادة جماعية، وبمنع التحريض على ارتكابها ومعاقبته، وبتسهيل إيصال المساعدات إلى الغزيين، يؤسس فعلياً “قواعدَ قانونية جديدة لكيفية متابعة إسرائيل حملتها في غزة”، إذ عليها بالتحديد “أن تدير الحرب بطريقة تخلو من الإبادة الجماعية”.

ماذا يعني قرار محكمة العدل الدولية بالنسبة إلى غزة الآن؟
باختصار، تقول محكمة العدل الدولية للكيان الصهيوني: نطالب بإطلاق سراح أسراكم في غزة فوراً ومن دون شروط، ولا نطالبكم بإطلاق سراح أحد، أو حتى بوقف حملتكم في غزة، وإنما الرجاء عدم ارتكاب إبادة جماعية خلال قيامكم بها، أي أن المطلوب هو ضبط وتيرة القتل العشوائي فحسب.

ثمة من يقول إن محكمة العدل الدولية لا تطالب بوقف إطلاق نار في الحالات التي يكون فيها أحد الطرفين المتحاربين من غير الدول، أي حركات تمرد مثلاً، أو حركات مقاومة، فلماذا تطالب المحكمة إذاً بإطلاق سراح الأسرى “الإسرائيليين” في غزة فوراً، ومن دون شروط، وهم محتجزون لدى حركات ليست دولاً؟! ومن المُطالَب بتحرير أولئك الأسرى إذا لم يكن المقاومة الفلسطينية؟ وإذا لم يكن “حماس والمجموعات المسلحة الأخرى”، بحسب تعبير المحكمة، ألا يمثل ذلك المطلب غطاءً لاستمرار العدوان الصهيوني على غزة حتى يتحقق، وتبنياً لإحدى أبرز ذرائع ذلك العدوان؟

لننظر، بعد ذلك، إلى معنى ارتكاب إبادة جماعية، بحسب ما طالبت به المحكمة “إسرائيل” عبر “اتخاذ كل الإجراءات الواقعة ضمن سلطتها” للتأكد من عدم حدوثه، بناءً على ميثاق الإبادة الجماعية لعام 1948 الذي استندت إليه المحكمة:

أ – قتل أعضاء المجموعة (أي المجموعة المستهدفة بالإبادة الجماعية).

ب – التسبب بأذىً جسديٍ أو ذهنيٍ بالغٍ لأعضاء المجموعة.

ج – تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة محسوبة للقضاء عليها جسدياً، بصورةٍ كليةٍ أو جزئية.

د – فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة.

فأي بند من البنود أعلاه لا نجد العدو الصهيوني يمارسه على الملأ، أمام الكاميرات وأعين العالم وآذانه، في غزة؟! ولن أعيد عليكم سرد تفاصيل مسلسل القتل وإحداث الأذى الجسدي والمعنوي والتجويع والتعطيش والتهجير واستهداف المرافق الصحية… إلخ، ونحن نتنفّسه كل يوم، صبح مساء. ثم يأتي بعد ذلك كله من يفتي ببرود: “لا يوجد دليل”، وكما قالها المتنبي: “وليس يصح في الأفهامِ شيءٌ، إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ”.

هل محكمة العدل الدولية طرف محايد؟
أن يجلس الكيان الصهيوني في مقعد المتهم بارتكاب إبادة جماعية هو تحولٌ جديدٌ ونوعي، نعم، لكن قرار المحكمة ذاته يقدم غطاءً لاستمرار الحملة الصهيونية الدموية في غزة ما دامت تتقيد باستهداف المقاومين وتخفف من استهداف المدنيين. وتعامت المحكمة عن ممارسات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني جهاراً نهاراً كي لا تصدر قراراً بوقف إطلاق النار.

عدّ البعض قرار محكمة العدل العليا مهماً، لكن ناقصاً، وعده البعض الآخر “انقلاباً قضائياً تاريخياً”. وبرأيي المتواضع، هو ليس ناقصاً، بل أتى ليحقق غرضاً محدداً في لحظة سياسية محددة، وإنه ليس انقلاباً إذا ما قورن بسوابق أخرى، مثل قرار محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة ذاتها عام 1986 في القضية التي رفعتها نيكارغوا ضدها بسبب دعمها عصابات “الكونتراز” وتمويلها وتسليحها وتدريبها، والتي مارست الإرهاب على نطاق واسع في نيكارغوا علناً، وبسبب تفخيخ الولايات المتحدة المياه المقابلة لموانئ نيكارغوا بالألغام البحرية في سياق فرض حصار عليها.

يُذكر أن محكمة العدل الدولية دانت الولايات المتحدة آنذاك وفرضت عليها دفع تعويضات إلى نيكاراغوا. وبعد أن ذهبت القضية من المحكمة إلى مجلس الأمن أسقطتها الولايات المتحدة أكثر من مرة بحق النقض.

وبعد أن ذهبت من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أكدت قرار محكمة العدل الدولية، لم تعره الولايات المتحدة اهتماماً رافضةً دفع تعويضات إلى نيكاراغوا (وهذه لعناية من يراهنون على القرار 377 الذي يظن البعض أنه يخول الجمعية العامة نقض قرارات مجلس الأمن). ولم تنته القضية إلا بعد إطاحة حكم الساندينيين في نيكاراغوا والإتيان بنظامٍ موالٍ لواشنطن فيها أسقط حقوقه في القضية عام 1992 وتنازل عن التعويضات المستحقة لنيكاراغوا من الولايات المتحدة.

كانت لحظة إدانة الولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية عام 1986 لحظةً تاريخيةً فارقةً، وقفت فيها أوروبا (وممثلوها بالتالي في محكمة العدل الدولية) ضد السياسات العدوانية للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، وترددت حتى بريطانيا في دعمها في مجلس الأمن على طول الخط، في حين وقف الاتحاد السوفياتي والصين وحلفاؤهما والهند ودول حركة عدم الانحياز ضد النهج الأميركي، لتبقى الولايات المتحدة وحيدة مع بريطانيا واليابان في محكمة العدل الدولية.

لكنّ تلك اللحظة الفارقة لا يجوز أن تُنسينا أن القرار الدولي، في محكمة العدل الدولية أو في غيرها، هو حصيلة توازنات القوى الدولية، وأن محكمة العدل الدولية تمثل بلداناً وأقاليم بعينها، وأنها ليست بالتالي طرفاً محايداً من خارج ميزان القوى، وأن ذلك الميزان يميل بوضوح مع الغرب الجماعي، وخصوصاً منذ انهيار المنظومة الاشتراكية. وكان من الأمثلة على ذلك في محكمة العدل الدولية:

أ – قرارها عام 2004 إسقاط الدعوى التي رفعتها يوغوسلافيا السابقة عام 1999 ضد أعضاء حلف الناتو، بسبب دورهم في حرب كوسوفو وتفكيك يوغوسلافيا.

ب – قرارها عام 2011 لمصلحة جمهورية مقدونيا الشمالية، المنشقة عن يوغوسلافيا السابقة، ضد اليونان التي كانت تمارس حق الفيتو على عضوية مقدونيا في حلف الناتو؛ أي أن محكمة العدل الدولية فرضت على اليونان بلع اعتراضها على عضوية مقدونيا الشمالية في الناتو.

ج – قرارها عام 2022 لمصلحة أوكرانيا ضد روسيا، مسقطة ما عدته “مزاعم روسيا” بشأن وقوع إبادة جماعية بحق الروس شرقي أوكرانيا، ومطالبة روسيا بوقف عملياتها العسكرية فوراً في أوكرانيا.

لماذا دعم الغرب الجماعي قرار محكمة العدل الدولية بشأن غزة؟
في اللحظة الغزية الراهنة، فلننتبه إلى أن رئيسة محكمة العدل الدولية، عند صدور قرارها، كانت قاضية أميركية (انتهت ولايتها في 6/2/2024 ليأتي مكانها القاضي اللبناني نواف سلام)، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها صوتوا بصورةٍ منهجيةٍ مع قرار المحكمة، وأن من شذ عن القاعدة كان القاضي “الإسرائيلي” والقاضية الأوغندية (التي كوفئت على إخلاصها لـ”إسرائيل” بتعيينها نائبة رئيس محكمة العدل الدولية، أي نائبة نواف سلام).

ويتألف المجلس القضائي في محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً، ويحق للطرفين المتقاضيين أن يعين كل منهما قاضياً إضافياً يمثله في القضية التي يتخاصمان حولها فقط.

يُقرأ قرار محكمة العدل الدولية بشأن غزة إذاً بعين السياسة، قبل عين القانون. وبعين السياسة يصعب فهم القرار من دون الاستناد إلى النزاع بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما.

لقد أرادت الولايات المتحدة لهذا القرار أن يصدر كي تضغط على نتنياهو للتخفيف من تهوره وانسياقه خلف مشروع اليمين الصهيوني المتشدد، وهي تعمل على إطاحة حكومته كما يضغط نتنياهو على بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية بورقة اللوبي الصهيوني في الداخل الأميركي، وهو تناقض يتعلق بطريقة “إخراج” العدوان على غزة، كما أظهرت في مادة “ثلاث كلمات على هامش اللحظة الغزية الراهنة”، في 30/12/2024.

يمثل قرار محكمة العدل الدولية بالضبط إذاً ما تريد إدارة بايدن، ومعها الغرب الجماعي، من حكومة نتنياهو أن تلتزمه في “إخراج” العدوان على غزة، ولهذا جاء القرار في الصورة التي جاء فيها. أما اليمين الصهيوني المتشدد فرد بعد يومين بمؤتمر في القدس المحتلة، حضره 11 وزيراً في الحكومة، و15 نائباً في الائتلاف الحاكم، يدعو إلى إعادة تأسيس مستوطنات غزة، و”المغادرة الطوعية” للفلسطينيين منها.

أين نقف من المحاكم الدولية والقانون الدولي إذاً؟
الجانب الآخر للقرار أنه يُحْيي، في لحظة تأجج الحس المقاوم بالذات، على خلفية عملية “طوفان الأقصى” البطولية، وانخراط المقاومات اللبنانية واليمنية والعراقية في الحرب، أوهاماً لطالما عششت في رؤوس اللاهثين وراء الأوهام بأن المحاكم الدولية والقانون الدولي يمكن أن تكون حكماً عادلاً أو مرجعاً نزيهاً لنيل الحقوق، إن نحن أحسنا “أداء اللعبة القانونية والدبلوماسية، وتخلينا عن جمودنا العقائدي”.

يريد البعض أن يقتنع الشعب العربي، ولاسيما الفلسطينيون، بأن طريق الدبلوماسية والقانون والبراغماتية السياسية أجدى من المقاومة المسلحة وإعداد العدة كما يلزم لمشروع التحرير، وهذه القرارات تشكل وقوداً لهذا التيار، عربياً وفلسطينياً.

والحقيقة أن الفلسطينيين والعرب والمسلمين ليسوا وحدهم المستهدفين بالقرار، بل ملايين الناس حول العالم، وفي الغرب ذاته، ممن صاروا يرفعون شعار “من النهر إلى البحر”، From the river to the sea، كما رأينا.

لكنْ، يجب أن نتذكر، في حالة فلسطين بالذات، أن ما يسمى “القانون الدولي” يعترف بحق الكيان الصهيوني في الوجود والحدود الآمنة في أرضنا المحتلة عام 1948 على الأقل، وبالتالي يَعُدّ أي عمل مقاوم ضد “إسرائيل ومواطنيها” “إرهاباً”، وأن الاحتكام إلى سقف القانون الدولي لا يمكن إلا أن يُنتج مثل هذه النتيجة.

يريد البعض أن نسلم أمورنا إلى القرار الدولي والمرجعيات الدولية، تحت عنوان “النضال قانونياً ودبلوماسياً”، والذي لا يمكن إلا أن يكون انعكاساً للقوى المهيمنة على القرار الدولي، في حين أن أي نضال قانوني أو دبلوماسي، لا يشكل سنداً للمقاومة المسلحة ومشروع التحرير، يجب أن توضع فوقه ألف علامة استفهام. ولنتذكر جيداً أن قرار محكمة العدل الدولية ذاته ما كان له أن يصدر لولا صمود غزة شعباً ومقاومةً، ولولا عجز الاحتلال عن قهرها.

ماذا عما فعلته جنوب أفريقيا إذاً؟ هل نتبرأ منه؟ هل ندينه؟ الجواب هو أن جنوب أفريقيا، بمقدار ما طرحت وقف إطلاق النار، فإن تلك خطوة مقدَّرة، وبمقدار ما وضعت الكيان الصهيوني موضع الاتهام، فإن ذلك يستحق الدعم والتأييد أيضاً، لكن بتحفظ، فجنوب أفريقيا دانت عملية “طوفان الأقصى”، وهي تستند إلى مرجعيات أوسلو في القضية الفلسطينية، وما يسمى “القانون الدولي”، الذي يقود إلى الاعتراف بـ”إسرائيل”.

أمّا قرار محكمة العدل الدولية ذاته فيؤخذ بتحفظٍ أشد. ولتستمر حملة اتهام الكيان الصهيوني بالإبادة، ولها كل التشجيع، لكن لا نربط أنفسنا ولا نلزمها بمخرجات القرار الدولي والمحاكم الدولية، لأن مرجعيتنا يجب أن تكون مصالحنا القومية، والحق العربي التاريخي في أرض فلسطين.

رب قائل: لكن أليس ما فعلته جنوب أفريقيا أفضل ألف مرة مما تمارسه الأنظمة المتواطئة أو المتخاذلة، عربياً أو إسلامياً؟

والجواب هو أن المطلوب من العرب أو المسلمين عموماً أكبر كثيراً من رفع قضايا في المحاكم، بل أن يخوضوا الصراع إلى جانب غزة، تماماً كما يفعل اليمن مثلاً، فإن قصروا عن خوض الصراع أو دعم المقاومة، بالمال والسلاح والمتطوعين على الأقل، فإن ذلك التقصير لا يعوّض منه رفعُ قضية في محكمة هنا أو هناك، لأن حسابهم مغاير جداً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى