ماذا يستطيع جعجع أن يفعل ؟

نبيه البرجي
ماذا يستطيع سمير جعجع أن يفعل اذا ما أنتخب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية , وقد لوّح بتغيير التركيبة اللبنانية , كما لو لا تزال هناك تركيبة لبنانية ؟!
قبل الدخول في الأسئلة , نشير الى تعقيب مرجعية سياسية “اذا انتخب فرنجية سيكون “الحكيم” ضيفاً يومياً على القصر” . انها جمهورية اللامعقول …
كيف لقائد “القوات اللبنانية” تغيير التركيبة بكل مقوماتها الرثة , وهي تتقيأ الأزمة تلو الأزمة ؟ برلمانياً , لا نتصور أن بامكان “كتلة الجمهورية القوية” أن تفعل شيئأً سوى الاختيال أمام الكاميرات . سياسياً , وفي ظل التشابك (والاشتباك) الطائفي , يبدو أن ازاحة جبل صنين أسهل من زحزحة المنظومة السياسية .
في هذه الحال , لا مناص من الخيار العسكري . لا شك أن جعجع يميل الى هذا الخيار . ذات يوم , وبعدما لاحظنا مراسم تخرج ضباط “القوات ” بملامسة السيوف بالعرض لآكتاف الضباط , قلنا له “هذا ما كان يفعله قسطنطين الأكبر” الذي فتح أبواب روما أمام المسيحية . علّق “اين أنا وقسطنطين الأكبر ؟” .
حول الرجل أدمغة باردة , مثلما حوله أناس تخرج النيران من آذانهم , وليس فقط من أفواههم . واذ يقرأ , بشغف , كتب التاريخ , يعتبر أن التغيير لا يحدث الا عبر الخنادق . غير أن ظروف اليوم غير ظروف الأمس . أي مغامرة عسكرية قد تفضي الى زوال لبنان , وزوال اللبنانيين .
لا مجال البتة لتوحيد الدوقيات المسيحية بالبندقية مثلما حدث في وقت سابق , وقد شهدت , شخصياً , جزءاً من الحدث . كنت عند الصديق كريم بقرادوني في مقر قيادة “القوات” في الكرنتينا حين دخل علينا نادر سكر , بقامته العسكرية (البعلبكية) , وتوجه نحو النافذة لمراقبة عودة الدبابات من بكفيا اثر تصفية دوقية آل الجميّل هناك .
كما لا نعتقد أن جعجع يراهن على اسرائيل . مثلما يعتبر أن التجربة معها , ولم يكن هو وراءها , مريرة , كذلك هي تعتبر أن التجربة مع القادة المسيحيين كانت مريرة . يهوشواه ساغي , رئيس الاستخبارات العسكرية ابان اجتياح 1982 , قال “بعد فوات الأوان لاحظنا أننا نتعامل مع الأقنعة لا مع الوجوه …” !
الرياض , وهي المورد المالي لـ”القوات” بعدما رأت أنه المؤهل ليكون “قوة الصدم” لا سعد الحريري , بشخصيته الحريرية , تتعامل مع الغرنيكا اللبنانية برؤوس أصابعها .
لا نتصور أن جعجع يفكر بالطريقة نفسها ألتي تفكر فيها جهات أخرى لتوظيف النازحين السوريين لأغراض داخلية, وان لوحظ غياب “القوات” عن التصدي لتلك القنبلة المؤقتة . ثمة من يرى أن من أصل نحو مليوني نازح يوجد بينهم أكثر من 100000 خضعوا للخدمة العسكرية . بوسع هؤلاء أن يقلبوا , بالسكاكين التي يتقنون استعمالها , المشهد رأساً على عقب …
لا شيء جدي حول لبنان . القوة الرباعية (أميركا , فرنسا , السعودية , قطر) التي كان يفترض أن تلتئم في منتصف كانون الثاتي , قد تصبح خماسية بانضمام مصر اليها , وتعقد اجتماعها , على مستوى المستشارين , في الشهر المقبل . مبدئيأً , هذا يعني أن البوصلة تتجه الى الجنرال جوزف عون .
المعلومات تقول أن الأميركيين , وبدوافع براغماتية , في هذه المناخات الضبابية , لا يمانعون في انتخاب فرنجية لاقتناعهم ألاّ رئيس الا بموافقة “حزب الله” , وان كانت قوى لبنانية حليفة لواشنطن ترى أن عهد فرنجية سيكون , فقط , لادارة الخراب , لا لادارة الأزمة ولا لادارة التسوية .
المثير ما تسرب حول رأي فرنسي , يتردد أنه لمرجع قانوني في االاليزيه , يقول ان مشكلة رئاسة الجمهورية في لبنان تكمن في الالتباس الذي يعتري المادة 49 من الدستور , وحيث تنتفي الموازاة بين النصوص والصلاحيات .
كيف لرئيس دولة أن يكون “رمز وحدة الوطن” , ويناط به السهر على “احترام الدستور , والمحافظة على استقلال لبنان , ووحدته , وسلامة أراضيه” , وصلاحياته أقرب ما تكون الى “الأسلاك الشائكة” .
الحل , في نظر صاحب الرأي , اما اعادة النظر بالنصوص , والصلاحيات , أو اختيار رئيس من طائفة أخرى . هكذا تقفل الأزمة الأبدية التي يغرق فيها المسيحيون كل ست سنوات . فليغرق الآخرون …